الدكتور / محمد موسى البر

سيد قطب وافكاره التي ضد الرصاص

قرأت في جريدة الوان بتاريخ 25/11/2002 مقالا بعنوان (لماذا اعدموه) بقلم رجاء النقاش نقلا عن الوطن القطرية . والمقال يدور حول اعدام المفكر النابغة الالمعي الاستاذ الشهيد سيد قطب .

كال فيه الثناء لعبد الناصر والقي باللوم علي سيد قطب وانه سبب مباشر في اعدامه والكاتب كان يرجو من سيد قطب ان يعزل نفسه ويظل كاتبا ومفكرا دون ان يكون له انتماء لجماعة كانت سرية او علنية . كما عرج الكاتب علي السودان ليصيب المفكر السوداني حسن الترابي ويتهمه بالتطرف الذي قال انه قاد سيد قطب الي حبل المشنقة وان حسن الترابي الذي كان طالبا آنذاك مد سيد قطب بالسلاح .

السؤال الذي يتبادر الي الذهن هل المعركة التي خاضها الشهيد سيد قطب كانت معركة سلاح او معركة فكر وهل سيد قطب صاحب القلم البتار في حاجة الي حمل سيف او مدفع ضد الطواغيت او ان الصراع بين سيد قطب وعبد الناصر كان صراع من يريد ان يسود الاسلام ومن يريد ان تسود افكار وافدة علي الامة الاسلامية . وهل حقيقة خسرت الامة الاسلامية نسبة لان سيد قطب وقف يتهم الحكام في ذلك الزمان بالانحراف والفساد الفكري وسيد قطب عندما يكتب لا يذكر الاسماء لقد كان سيد قطب ولا يزال يصنف اديب ناقد وداعية واصبح اشهر شخصية في العالم الاسلامي في النصف الثاني من القرن العشرين .

كان لكتاباته وبيانه وفكره ودراساته المنهجية والنقدية اكبر الاثر في المدارس النقدية والمدارس الادبية وفي الاتجاهات الجديدة والعميقة في الادب والنقد والحياة . ثم كان لدراساته الاسلامية وتفسيره العظيم للقرآن الكريم وما اعطاه من بعد نفسي واجتماعي بمواقفه البطولية - التطبيقية ، اكبر الاثر في دفع الفكر الاسلامي الي مرحلة دقيقة وحاسمة من مراحله الهامة في هذا العصر من لدن محمد عبده الي حسن البنا . حتي وقف سيد قطب بهذا الفكر علي ابواب تحد حضاري هائل اذا كتب للعالم الاسلامي ان يتفهم هذه المرحلة ويجتازها بنجاح فان مدا حضاريا جديدا ، انسانيا وعالميا سوف يعود الي الظهور مرة اخري .

لقد كان سيد قطب ابرز شخصية ظهرت في المرحلة الاخيرة من مراحل الحضارة الاروبية الاستعمارية بشقيها الرأسمالي والشيوعي علي حد سواء . هذه سيرة سيد قطب باختصار هذا المفكر الذي اراد ان يقود تيارا للتغيير في كل مجالات المجتمع تغيرا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا بالمنهج الاسلامي الذي اقتنع به وثبت عليه . لقد كان سيد قطب يدافع عن افكار ضد الرصاص . وذلك عندما استشهد بقيت افكاره ولا تزال لانها تستند الي اصول باقية . سيد قطب واحد من رواد الحركة الفكرية الاسلامية في العصر الحديث الحركة التي تحافظ علي الاصالة ولا تنكر المعاصرة . ذلك المنكر الذي عرف الغرب الرأسمالي النصراني يوم كان الشرق معجب بممارسات الغرب كشف لنا سيد قطب عن مساوئ الحضارة الغربية وطرح البديل الاسلامي . يقول الكاتب (ومن رأي المتواضع ان الزعيم عبد الناصر قد اخطأ بموافقته علي حكم الاعدام) المقصود اعدام سيد قطب ولكن الزعيم عبد الناصر آنذاك كان لا يمكن قراره ذلك لان فضل سيد قطب مطلب من المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي ذلك لان سيد قطب كان يطرح البديل للحضارة الوافدة سواء من الشرق الشيوعي او الغرب الرأسمالي .

والكاتب في المقال يريد لسيد قطب ان يكون كاتبا غير منفعل بهم الجماهير ولو كان سيد قطب كما يريد له الكاتب لم يسمع به احد اليوم ولا غدا . ولكن سيد قطب كان يحمل مبادئ لابد ان تري النور وان يكون هناك من يدافع عنها . ولم يكن له رصاصة ولا مدفع ولكن كان يحمل افكارا ضد الرصاص . وكان يقول افكارنا تظل عرائس من شمع حتي اذا تم استشهادنا في سبيلها دبت فيها الحياة . ان سيد قطب كان لا بد له ان يقود مسيرة التمرد علي الاوضاع الجاهلية وكان لابد له ان يوضح ان البديل للحضارة المنهارة حضارة العلمانية ان البديل لها الاسلام .

وموت سيد قطب يعد نصرا للاسلام وطالما هناك علماء من امثال سيد قطب يصمدون امام الحكام الظلمة الذين يصادرون الحريات فان الاسلام بخير . ولو كان لسيد قطب كما تمني له الكاتب ان يكون مفكرا منزويا لما طبقت شهرته الافاق الآن واصبح قدوة للاجيال في ديارة الاسلام وغيرها ولما ترجمت مؤلفاته لكل اللغات العالمية . والغريب ان الكاتب يقول ان كلا من سيد قطب وحسن الترابي من المتطرفين وما عرف العالم الاسلامي اصحاب منطق وقلم كسيد قطب وحسن الترابي والذين اعدموا سيد قطب لم يقدموا له تهمة التطرف ولكن قدموا له حججا من ضمنها كتابه معالم في الطريق . وعبد الناصر الذي كال له الكاتب المدح هو الذي اخرج العالم الاسلامي في المنطقة العربية من الاسلام الي الاشتراكية علي النهج اللينيني ويمكن ان تتصفح الميثاق الذي وضعه لاتحاده الاشتراكي آنذاك ونادي فيه بالقومية العربية التي من اهدافها التراث المشترك والهدف المشترك واللغة العربية ولم يكن الدين الاسلامي واحدا من اعمدة قومية عبد الناصر .

لقد كان سيد قطب ينادي بقيام كتلة ثالثة تتمثل في الدول الاسلامية قاطبة تقف ضد الكتلتين الرأسمالية والشيوعية . وكان همه ان يكون هناك مجتمع اسلامي وهو مجتمع لا يعترف بالالوهية والحاكمية العليا الا لله وحده . ويطبق شريعته في جميع وجوه الحياة . ويقول من المؤسف ان نري العالم الاسلامي اليوم يتسابق الي تقليد المجتمعات الغربية الجاهلية او الكافرة ، الي درجة اصبح معها عبدا (للغرب) بدلا ان يكون عبدا لله وحده كما تقضي بذلك التعاليم الاسلامية . سيد قطب الذي يطرح افكار بديلة واصيلة ومعاصرة في ذلك الزمان ، طرح سيد قطب في رأي يجيب علي السؤال لماذا اعدموه ؟ فقد اعدموه ولكن للاسف كما يعبرون ان افكاره زادت انتشارا مثلهم مثل الملك الذي قتل غلام اصحاب الاخدود وحشد الناس يوم قتله فما كان من الحشود الا ان قالت امنا برب الغلام وذلك بعد اعدام الغلام .

ومن عجب ان يقول بعض حكام اليوم ان افكار الاخوان المسلمين وافكار سيد قطب وحسن البنا وراء مشاكلهم في العالم العربي والاسلامي . حتي بلغت بهم الوقاحة ان يقولوا ان مشكلاتنا جاءت من الاخوان المسلمين . ان العالم العربي وقد سلم اطرافه وقلبه وثرواته للعالم الغربي ينكر علي الاخوان المسلمين ان يقولوا للشعوب انتبهوا ان الافكار التي رفعها سيد قطب ليست بغريبة علي العالم الاسلامي بل هي تراثه ومعاشه ولذلك عندما قال بها سيد قطب وحسن البنا وعلماء الاخوان وجدت تجاوبا . اما وقد ذهب سيد قطب وحسن البنا وغيرهم فقد بقيت الافكار فماذا يفعل وكلاء الغرب في الشرق مع الفكر الاسلامي الذي يصبح يطل عليهم صباح مساء ان عودوا الي الاسلام وبالتي هي احسن والا فان الاضطهاد والتشريد للشباب المسلم سوف يعاملكم بالتي هي اخشن الشئ الذي لا ندعو اليه ونؤيده ولا نريده ولكن ان يهجم علينا الغرب ووكلاءه في الشرق هذا الهجوم ويفتن المسلمين في دينهم ويقتطع اراضهم فلا بد من محمد بن مسلمة لقتل كعب بن الاشرف اليهودي ولا بد من عبد الله بن مسعود لحز رأس ابو جهل العربي . في المقال يقول الكاتب (مع الاعتذار لاستاذنا الدكتور يوسف القرضاوي الذي يري في عبد الناصر رأيا لا يسر) واظن ان دكتور يوسف القرضاوي هو ادري الناس بايام عبد الناصر وهو رجل ورع لا يتحامل علي احد ليته كتب بتوسع عن فكرة وفترة عبد الناصر .وذلك حتي نأخذ من التاريخ العبر والمواعظ . هذا باختصار سيد قطب وافكاره التي ضد الرصاص .

وعلى الله قصد السبيل

د. محمد موسى البر جامعة القرآن كلية الدعوة والاعلام