الدكتور / جاسم مهلهل الياسين

حديث الأسبوع في جريدة الوطن الكويتية 1

سيد قطب ... رمز الشيوخ .. في زمن الانكسار
سيد قطب رمز للصمود.. في عصر ذهاب الرموز وعزّ اليهود...!! ـ
سيد قطب شاهد على أحوال عصره وعصرنا
--------------------------------------------------------------------------------
مانشيتات

سيد قطب شهيد على عصر قمع الشعوب … وعصر قمع الأمة..!! ـ
ما أحوجنا إلى أصحاب أقلام عصاميين.. يوقدون مشاعل الفكر النظري .. بواقع عملي حقيقي!! ـ
هل استخدمت الأقلام عن نصرة أمة الإسلام.. أم قصفها الحكام .. أم براها أربابها وولوها على غير وجهتها أم .. أم … ؟!!! ـ
أين شعراء الإسلام .. الذين لا يبيعون شعرهم بحفنة شعير من الحكام .. ؟!! ـ
شباب الجهاد في فلسطين .. أقضوا مضاجع اليهود وحلفائهم الغربيين مع نحول أبدانهم وضآلة أجسامهم .. غير أن روحهم أكبر من سدنة الحكم ومن قواد الجيوش العربية النائمين…!!! ـ
غزى سيد قطب الغرب بقلمه وفكره وسلوكه وما غزاه الغرب بآلته الفائقة من الشهوات والشبهات
يا ويحنا على ما صارت إليه مناهجنا .. يدخل نابليون .. وويلسون المجموع ويخرج منه محمد وأبوبكر وعمر وعليّ كما في بعض بلاد المسلمين؟ ـ
الغرب يشجب إسرائيل بكلمة.. ويتواطأ معها بكلمات ...ويخدرنا بعبارات ...!!!! ـ
اسمحوا للشعوب بنفثة الغضب.. وتخريج المكنون وإلا انفجرت ....ولات مناص !!!!. ـ
سيد قطب يدعو إلى الله في سفينة أمريكا ونحن لا زلنا نتغزل بالمضيفات .. ونحتسي المنكرات .. ونطالع لقطات الإغراءات في الجو بين السماء والأرض؟! ـ
--------------------------------------------------------------------------------
بدى لي أن أكتب عن رمز من رموز الصمود في زمن عزّ فيه الصمود، ـ وضحلت فيه معالم التضحية... وأصبحت الأقلام تؤجر.. والعقول تنهى وتؤمر.. ومقالة الحق تنقلب سحراً على قائلها.. ومقالات الباطل تزدان في الإعلام مرئياً ومسموعاً ومقروءاً.. واختلط الحابل بالنابل ـوماعدنا نفرق بين كاتب سلطان وكاتب الإيمان...!! ـ
وأصبح من العسر بمكان الإشارة إلى كتّاب عاهدوا ربهم وأسلموا أقلامهم لدينهم... دفاعاً عن أمتهم حتى لو زجوا في السجون... ولاقوا العنت والشجون...! مرارات.. وحسرات تتدافعني حين الكتابة وتفرض عليّ أن اختار رمزاً صامداً.. عاش في سبيل نصرة دينه ورفعة أمته... وما استخدى.. ولا استجدى ..ولا تصاغر ولكنه علا بدينه.. واعتز بقلمه وعاش بمبدأه كالجبال الرواسي صامداً جاهداً لا يحيد ولا يميد.. ولا يبيع شعره بحفنة شعير... ـ
ولا يتجر بنثره لنثارة خبز... ورقات طعام...!! إنه الشهيد بإذن الله..ـ ـ والباسل في سبيل الله... إنه صاحب الكتب التي تغتذي عليها الحركات الإسلامية قاطبة إلى الآن... لأنها اختلطب بدم صاحبها.. ولم تدنس إنه سيد قطب.. وما أدراك ما سيد قطب، ثم ما أدراك ما سيد قطب؟! ـ
تعالى معي في تلك المحاورة التي تخيلت نفسي واقفاً بين يديه متلمساً من علمه ومستزيداً من فكره عساني أنتفع من نفثاته ونثاراته وأبكار أفكار قريحته.. سالكاً في ذلك سبيل السؤال والجواب قلت.. وقال ... ـ
ولا يخفى على الفن ما لذلك من جرد لأفكاره وقصد لإظهار مثالب عصرنا وقياسها بمثالب عصره ومحاولة التعرف عن أسباب السقوط... ـ ومدارج تاريخ الدعوة... عسانا نجتنب موارد الزلل ودركات الانقطاع عن القائلين العاملين أمثال سيد قطب..ـ
سيد قطب المنشأ .. والتكوين :ـ
قلت : ولد سيد قطب في أسرة ظاهرة الامتياز بقيمها... وكانت مركز إكبار وإجلال حيث مثل والده عائلته كلها فكان عميد الأسرة الكبيرة... كما أن سيد قطب استشرب هذه العمادة في الفكر عن والده كما استقى عنه تدينه وقيامه بأداء فرائض الإسلام على وجه التمام ولآل قطب سيدة راسخة في التدين والأصالة والصبر ابتدئت بسيد قطب ثم بإخوانه وأخواته... فقد عذبت أخته نفيسه الكبرى وقتل لها ولد في السجن لأنه لم يشهد ضد خاله سيد وسجن الآخر. وأمينة أخته نالها نصيبها من العذاب وقتل زوجها السنانيري في السجن سنة 1981، وأخوه محمد – حفظه الله- ناله من نصيبه من العذاب الأليم في سجون عبدالناصر حتى أفرج عنه في مطلع السبعينات وهو مدرس الآن في جامعة الملك عبدالعزيز منذ سنة 1972م إلى الآن ولمحمد مع أخيه سيد وشائج ووثائق وصلات فوق النسب في الفكر والحب والخلة والصداقة.. ـ
قلت لسيد : حدثني عن طفولتك؟
قال : طفولتي استمالت إلى رجولة مبكرة فلم أمضي في دروبها ولم أنعم كأطفال المسلمين في ردهات المدارس الغربية في الغرب أو في بلادنا الإسلامية إذ يغتذون على مبادئ الغرب ويشربون قيمهم في صغرهم... ويتعلمون كيف يعرون باربي وكيف يهيمون فيها ولم أعرف لعبة البيكيمون التي تسرب إليها اليهود بألاعيبهم وأفانينهم ليخترقوا أطفالنا ويئدوا فطرة الإسلام والعروبة في نفوسهم..!! ـ
وإنما نشأت على الجد الصارم.. وجعلتني أهم وأنا في العاشرة من عمري أني بلغت مبالغ الرجال فرحت أتقمص الجد وادعى الجلد .. واستتبع العصامية في كل شئ وكأني أنشد قول القائل : ـ
لوعدوا العمر لما وجدوا قد جاوز سناً للاّعب
قلت : إن في وجهك سمرة بادية...! ـ
قال : نعم سفعتني شمس المحن لا شمس السماء، وعلاني غبار التعذيب وأرهقتني كرابيج الزبانية في الزنانين... وأنهكتني الأمراض لأمتي.. لا أعراض علتي..!! ـ
ثم إنه أشار إلى أخيه محمد ليرو عنه هذا السؤال
قال محمد قطب : وجدته يشكو كثيراً من الأمراض، ولا طاقة للبدن أبداً – مهماً كان قوياً- أن يحتمل النفس الكبيرة : ـ
إذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
ولقد وجدته وقد نالت منه الأيام، فبدت أثارها على وجهه .. وفي جبهته أخاديد عميقة، وفي عينيه حمرة، وفي شعره الأسود القاتم شيباً
قلت : أيها الشهيد أراك نحيل البدن حقيقاً بما قاله فيك الشيخ علي الطنطاوي "لطيفاً هادئاً، تبدو عليه سيما المسالمة والموادعة والإيناس" فما بالك جاد القول.. صريح المهاجمة.. صعب المنازلة للباطل كأنما تحيي في كتاباتك عهود ابن حزم مع مجادليه أتراك واقفاً معه في خندق واحد...؟! ـ
قال : دع عنك نحول جسمي.. وموادعة شكلي.. فما الناس بأشكالهم وما الحق يوزن بأجسادهم، أما سمعت القائل وهو عباس بن مرداس : ـ
ترى الرجل النحيل فتزدريه وفي أثوابه أسد هصور
ولتعلم ... وتُعلم إخوانك.. أن العبرة بالروح التي يحملها الكاتب بين جنبيه... ـ
مناهج التعليم الإسلامية بين التغيير... والتدمير؟! ـ
قلت : سمعنا أنك بوزارة التعليم في مصر فما رأيك في مناهجها ومناهج شقيقاتها الأخريات من الدول العربية والإسلامية؟
قال : عملت في مدارس التربية والتعليم في مصر مدة تسعة عشر عاماً من سنة 2/12/1933 حتى 18/10/1952... ـ
فقابلت المتعصبين والروتينيين... الذين لا هم لهم إلا ترداد نصوص المناهج بقليل من الفهم ونادر من الاعتبار والادكار ولاقيت نقصاً في منظومة المناهج المقررة.. وحشواً زائداً في دروس اللغة خاصة... كأنما المقصود أخذها على علاتها وليس تفهمها ولا اعتبارها...!!ـ
قلت : وماذا عن مناهجنا الحديثة..؟ ـ
قال : أما مناهجكم فهو أشد سوءاً وأكثر وبالاً... إذ غابت عنها قيم الجهاد.. ومروءات الأمة.. ورفع فيها نابليون فوق محمد بن عبدالله.. ـ فتراهم في مصر الكنانة يعتبرون التاريخ السقيم الذي انحرف كثيراً عن مساره وأصباته أيادي العابثين فيرفعون نابليون بدخوله المجموع.. أما التربية الإسلامية فهي لا تدخل مجموعاً... ولا تعد في حقيقتها حصة وقد احتذى حذوها كثير من الدول العربية والإسلامية.. أما ضعف مجموع اللغة العربية والانتقاص منه في دول العرب والمسلمين.. وسوء توزيع حصصها فحدث ولا حرج...!! لقد هزم شكسبير المتنبي في بلادنا ... لقد عرفونا بكتيس... وشيلي.. ـ وإليوت وجوته.. وطاغور وأنسونا حسابن بن ثابت... وكعب بن زهير...ـ وكعب بن مالك وغيرهم وغيرهم..!! لقد اهتموا بالإنجليزية وأهملوا العربية.. ـ
قلت : وماذا ترى من محاولات أمريكية لتغيير مناهج التاريخ واللغة العربية، والتربية الإسلامية في العالم الإسلامي؟
قال : لقد قدمت من أمريكا عام 1950م بعد بعثة لي هناك... وقمت بطلب تغيير المناهج واقترحت أموراً لإصلاح هيكل الوزارة، وإنشاء إدارة فنية صحيحة تقيم نظم التعليم ومناهجه سنة 1947 ولكن ليس على طريقة الأمريكان.. أهل الزيف والبهتان... ولكن بما يمليه عليّ ديني وبما أخدم به أمتي.. وليت شعري!! ـ
أبت الوزارة عليّ الإصلاح وخضعت لمناهج دنلوب كما هي تخضع الآن لمناهج الأمريكان.. فاستقلت منها وصدفت عنها.. وأبيت أن أكون غلاماً لأمريكا.. أو خدوماً لبريطانيا ولقيت في ذلك المشاق من ذوي الروتين.. وبائعة الدين.. وهددت.. ورعّدت.. ولكن أبيت إلا الأسنة لي مركباً..!!! ـ
قلت : التبس على الكثيرين سفرك إلى أمريكا ما بين قائل إنه ذهب ليكرم بسبب محاربته الشديدة العنيفة للاشتراكية والشيوعية
حتى زعم كثير منهم أنك عميل لها.. ونبتاً من دوحة فكرها؟! ـ
قال : بخ بخ ...!!! ـ
لقد اضحكتني بعد استعبار...!! ـ
من لي برفقة وعمالة الأمريكان؟! وكيف ومتى وأين؟!! ـ
إنما سفري لها لإخراجي من بلدي حيث كنت أعمل مفتشاً فنياً بوزارة المعارف وأراد القوم مني تحضراً وإن شئت فقل تحدراً بالإطلاع على مناهج ونظم التعليم في أمريكا وواقفت منيتهم منيتي... وإرادتهم إرادتي مع فارق جوهري... أنهم أرادوني مستغرباً... ـ منسلخاً عن ديني وعروبتي.. ـ
وأردت أنا أمريكا لاستبصر حقيقة واقعها الاجتماعي وتطورها المادي... ـ ومناهجها التي نبني بها أوطاننا ونحيي بها أمتنا مما يوافق أصولنا وإسلامنا... ـ
أرادوا .. وأردت.. ومكروا.. ونجوت والحمد لله رب العالمين
بين رحلة سيد قطب... ورحلات أقطاب اليهود وأسياد اللذة إلى أمريكا وأوربا : ـ
قلت : حدثني عن رحلتك إلى أمريكا ماذا أفدت منها وما عجيب ما نقلت عنها...إذ طالت سفرتك أياماً بالباخرة... في عباب البحار ماخرة.. ـ فجدير أنها بالعجائب زاخرة...؟! ـ
قال : أما عن فوائد سفري فهي عديدة... وقصصها لديّ مديدة وسأحدثك عن أطراف منها وخاصة في طريقي إليها
قلت : حدثني إذن.. فكلي لك أذن...!! ـ
قال : لم تكن سفري بطائرات الجامبوا ولا (إيرباص) والمزودة بأفخم المتاع... ولا بفيديو صغير على كرسي كل راكب يقلبه على المتاع أو لقطات الجنس التي ابتدعتها خطوط الطيران في دولنا العربية والإسلامية... أو لقطات الإثارة مما تذيب الأفئدة .. وتشعل نيران الشهوات الخامدة... ولم تكن سفرتي على الدرجات السياحية الفارهة.. التي تقدم فيها الخمور الطازجة أو المشعشعة على مذهب عمرو بن كلثوم التغلبي
مشعشعة كأن الحصىّ فيها إذا ما الماء خالطها ثخينا
ولم تكن سفرتي محطة للامتلاء من المضيفات الحسناوات المغريات اللاتي يشعلن القلوب.. ويقلبن المشاعر.. واللائي أصبحن سلعة مروجة للشركات.. يتزين بأفتن الزينة ويظهرون من الأرجل النواعم الشئ الكثير ليستمتع كل ناظر... وينظر إليهن كل باصر.. حتى يتلوث الجو بنا... ويغضب علينا ربنا... ـ
ولقد جاءني من الأنباء ما فيه الحسرة والندامة أن شركة مصرية كويتية قد طردت مضيفة من الحسناوات ؟! ـ
ولم يكن سبب طردها الفحش فهذه حرية.. ولا العرىّ فتلك حضارة.. ـ ولا معاقرة الخمر.. فتلك حقوق التمتع وإنما جريمتها كلها أنها ارتدت حجابها.. وعادت إلى ربها.. إذ قالوا لها مقال قوم لوط ولآله من المطهرين (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) وانظروا موقع ( http://www.islamonline.net/ ( وأسألوه تفاصيل الخبر...!!! ـ
قلت : ففيم كان شغلك الشاغل.. وماذا عن فوائد رحلتك البحرية التي لم تخامر فيها أجواءنا الطائرة... أو اللاطاهرة في شركات الطيران العربية والإسلامية....؟!! ـ
قال: أفدت فوائد جمة من سفري إلى أمريكا في تاريخ 3/11/1948 .. ـ حيث أقلعت باخرتي .. فانتشط ذهني واقتدحت قريحتي ورحت أتأمل في: ـ

1- نعمة الله على الناس في تسخير البحر "ما أحسست ما في هذه اللفتة من عمق قدر ما أحسست ونقطة صغيرة في خضم المحيط تحملنا وتجري بنا، والموج المتلاطم والزرقة المطلقة من حولنا، والفلك سابحة متناثرة هنا وهناك، ولا شيء إلا قدرة الله، وإلا رعاية الله، وإلا قانون الكون الذي جعله الله، يحمل تلك النقطة الصغيرة على ثبج الأمواج وخضمها الرهيب.
2-قلت لنفسي وأنا مسافر " أأذهب إلى أمريكا وأسير فيها سير المبتعثين العاديين، الذين يكتفون بالأكل والنوم، أم لا بد من التميز بسمات معينة، وهل غير الإسلام والتمسك بآدابه والالتزام بمناهجه في الحياة وسط المعمعان المترف المزود بكل وسائل الشهوة واللذة الحرام؟. ـ
3-بعدما قررت اختيار الالتزام بالإسلام، والدعوة إليه في أمريكا ندت لفتنتني إحدى الأمريكيات على ظهر الباخرة فأعانني الله في الاستيلاء عليها وحماني من فتنتها فتجلدت قبل خوض عباب المفاتن في أمريكا وقبل ولوج شاطئها المغرق بالملذات شهوات وشبهات. ـ
4-تحول هذا الاستيلاء على الشهوات والمغريات إلى دعوة لله على ظهر السفينة… فأبصرت مبشراً على ظهر السفينة يحاول فتن الناس عن دينهم …. فمضيت متوفراً بمشاعر الإيمان إلى القبطان وطلبت منه السماح لكل ركاب الباخرة المسلمين بصلاة الجمعة.. وتمت الصلاة وكنت خطيب الصلاة .. حتى أعجبت سيدة نصرانية يوغسلافية بمشهد الصلاة العجيب وخاصة لقراءة سيد قطب القرآن….!! ـ
سيد قطب يستعلي عن فتن الملذات .. ويعتصم عن فتن الشبهات في الغرب
قلت: وما أقسى ما رأيت في أمريكا من الفتن والمحن .. وكيف تغلبت عليها .. عظنا فإن شبابنا هلكى وغرقى في الملذات الأمريكية وحكامنا طوعى للأمريكان … إلا القليل القليل من الكثير الوفير … ولست مبالغاً إن قلت إن أمة الإسلام رهينة بأمر أمريكا … بعدما عجزت عن دحر مدللتها إسرائيل بالمقال .. ناهيك عن الفعال!! ـ
قال: وجدت في أمريكا مفاتن لا تخرج عن كونها شهوات أو شبهات، أما عن فتن الشهوات والملذات فعرضت لي في: ـ
أ-متابعة فتيات حسناوات مزهرات متحللات لي رصداً وعمداً… من جامعة لأخرى
ب-متناقشاتهن المكشوفة الصريحة عن الجنس وأنه عملية بيولوجية جسمانية وليس لها شأن بالدين والأخلاق وهذا أشد فتناً لأن فيه إفتان بالشهوات وإقناع بالشبهات
ج-حديث بعض الشباب العربي عن ملذات أمريكا الجنسية ومغامراته مع الأمريكيات .. ومحاولته إقناع سيد قطب بخوض ذلك الوحل باسم الغربة وظروفها وطبيعتها .. وباسم داعي الشهوة وتحت وطأة الغفل
قلت: هذا عن فتن الشهوات فماذا عن فتن الشبهات؟! ـ
قال: أما عن فتن الشبهات فكانت أوقى وأشد .. وأكل للقلب وأقطع لليد … إذ رام الأمريكان فتني بالجنس فما استطاعوا لذلك سبيلاً فراحوا يرسلون إلى رجال المخابرات الأمريكية فما أوقعوا عندي شبهة .. وما نالوا مني حظاً!! ـ
حتى إن رجل المخابرات الإنجليزي "جون هيوورث دن" كان قد أقام بمصر مدة وادعى الإسلام وتسمى باسم جمال الدين وأقام في مصر وتزوج مسلمة وألف كتابه الخطير "التيارات السياسية والدينية في مصر الحديثة" وراح يلتف عليّ لأعلن ولائي لبريطانيا الاستعمارية الغاصبة لمصر في هذا الوقت وذلك بالآتي: ـ
1-أخبرني عن عشرات الأسماء الأمريكية البارزة المبشرة والتي انتظمت في السلك الديبلوماسي لكي يحققوا مآربهم في مصر. ـ
2-عرض عليّ ترجمة كتابي "العدالة الاجتماعية في الإسلام" الذي صدر سنة 1949 مقابل عشرة آلاف دولار.. فرفضت العرض وقدمته إلى المجلس الأمريكي للدراسات الاجتماعية مجاناً.. ـ
3-حدثني دن عن مستقبل مصر السياسي وعن جماعة الإخوان وشكك فيها وأنها تريد بمصر السوء وأن الأمل معقود على المثقفين ليلحقوا مصر بالحضارة الغربية
4-ونصحني كثيراً أن أكف عن معاداة بريطانيا ومهاجمتها لأنها إذا خرجت فستحل محلها أمريكا .. وهي أشد عداءً منها
قلت: وما أعجب ما بأمريكا .. من موقفهم من الإسلام والمسلمين؟
قال: أعجب شيء هو أنني أقمت في ولاية كاليفورنيا مدة طويلة وأقمت في عاصمتها "سان فرنسيسكو" غير أن جوها لم يرق لي فمرضت فدخلت مشفاها، وهناك وجدت علامات البشر والسرور بادية على وجوه العاملين بالمستشفى، ولما سألت ما الخطب؟ وما الأمر؟ قالوا: لقد مات الشيخ البنا رحمه الله
فاعجب .. إن شئت تعجباً .. واعتبر بما كان وما هو كائن .. ـ
قلت: حدثني عن رحلتك مع الإخوان .. فيم .. ومتى .. كيف .. ماذا؟! ـ
قال: لقد أعجبت بالإخوان إعجاباً امتلك عليّ عقلي ووجداني وكل مشاعري حيث أعجبت بالمؤسس الأول حسن البنا رحمه الله وقد عبرت عن ذلك بانضمامي إليهم في مطلع سنة 1953 حيث بنى البنا الإخوان على أسس سليمة فجاء بناؤه روحياً نفسياً في كل نفس فرد وبناءً فكرياً متوازناً في تصور الأفراد والجماعة وبناءً تنظيمياً متيناً رفيعاً لدى الأفراد، ولدى الوحدة التنظيمية للجماعة
ولي مقال عن "حسن البنا وعبقرية البناء" قلت فيه:" لقد عرفت العقيدة الإسلامية كثيراً من الدعاة .. ولكن الدعاية غير البناء.. وما كل داعية يملك أن يكون بناءً- مشيراً إلى حسن البنا حيث إن اسمه "البنا" أي البناء- وما كل بناء يوهب هذه العبقرية الضخمة في البناء!! ـ
هذا البناء الضخم .. الإخوان المسلمون .. إنه مظهر هذه العبقرية الضخمة في بناء الجماعات… إن عبقرية البناء تبدو في كل خطوة من خطوات التنظيم .. من الأسرة إلى الشعبة ، إلى المنطقة إلى المركز الإداري، إلى الهيئة التأسيسية إلى مكتب الإرشاد…" ـ
ثم قلت: حيا الله الإخوان المسلمين .. لقد تلفتت مصر حين جد الجد، وتحرج الأمر، ولم يعد الجهاد هتافاً وتصفيقاً، بل عملاً وتضحية ولم يعد الكفاح دعاية وتهريجاً،ن بل فداءً واستشهاداً
قلت: حدثنا عن صفقات النظام معك قبل استشهادك .. وفيم ساموك .. ـ ولم أعدموك؟
قال: انضممت إلى الإخوان مطلع عام 1953 ثم مضت بي سنون حتى أصابني لفح لهيب السلطة، فاعتقلت في 9/8/1965 ثم حقق معي صلاح نصر .. وأوسعني زبانية عبدالناصر سوء العذاب .. ثم حاكمني الدجوي .. وما رقت السلطة لمرضي .. ولا استمعوا لمقالي، ولا اعتبروا بإدانة منظمة العفو الدولية لمحاكمتي .. وما .. وما
وقبل قتلي بأيام أرسلوا إلي يساومونني بأن: ـ
أ-أترك التنظيم الإخواني الجديد
ب-أكتب ولو سطراً واحداً أو جملة للرئيس عبدالناصر أسترحمه واستعطفه
ج-أن أتخلى عن دعوتي .. واعتذر عن عملي مع الله ومقابل ذلك فهناك المال والجلال والرفعة والدنيا قائمة لي وقاعدة… ولما استعليت بالحق عليهم وقطعت رجائي عنهم .. تلمظوا … وحكموا علي بما تعلمون" ـ
ظلال سيد قطب بين واقعنا المرير واقعه الكسير : ـ
قلت: هلا حدثتني عن ظلالك… في حلك وترحالك … وعن أفانينه ومناسبته .. وكيف خططت روائعه .. ومتى وأين وكيف؟
قال: طلب إلي الأستاذ سعيد رمضان أن أشارك بمقال دائم في مجلته "المسلمون" فاخترت أن أكتب تفسيراً للقرآن وكان ذلك سنة 1951 وبهذا استمرت حلقات التفسير وانتهيت حتى الآية (103) من سورة البقرة ثم عملت على إظهار أجزاء منه بعيداً عن المجلة وكان ذلك سنة 1952 حيث صدر منه ستة عشر جزءاً ثم أكملت باقيه في السجون حيث حكموا عليّ بخمسة عشر عاماً
قلت: لعد عددناك عالماً مجدداً في التفسير لما أضفت إليه من أفكار حركية .. وتربوية على التفاسير السابقة بما يمكن أن نسميه "رائد مدرسة التفسير الحركي" إذ تناول فيه قضايا "العقيدة والدعوة والحركة والجهاد والتشريع والجاهلية". ـ
الفكر الإسلامي الحديث ومستقبله القيادي عند سيد قطب
يبدأ سيد قطب من إفلاس الديمقراطية الغربية ، ومن التنبؤ بإفلاس الاشتراكية الماركسية – وهو ما وقع بعد ذلك بثلاثة عقود من الزمان-
-قلت: وما رأيك من قيادة الرجل الغربي للعالم بما فيه عالمنا الإسلامي؟ ـ
-قال: إن قيادة الرجل الغربي للبشرية قد أوشكت على الزوال، لأنه لم يعد يملك رصيداً، من القيم يسمح له بالقيادة، والإسلام وحده هو الذي يملك مقومات هذه القيادة
-قلت:وكيف إذن للبديل أن يقود البشرية؟
-قال: البديل عندي هو الإسلام وأن الإسلام لا يملك أن يؤدي دوره إلا في مجتمع، أي أمة –ويقرر سيد قطب- عند هذه النقطة أن "وجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة .. فالأمة المسلمة ليست "أرضاً" كان يعيش فيها الإسلام، وليست "قوماً" كان أجدادهم في عصر من العصور يعيشون بالنظام الإسلامي .. إنما "الأمة المسلمة" جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي.. وهذه الأمة –بهذه المواصفات- قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعاً… ولذلك فإنه لا بد –حسبما يقول سيد قطب- من بعث الأمة المسلمة التي واراها ركام التصورات وركام الأوضاع وركام الأنظمة التي لا صلة لها بالإسلام
قلت : وما هو ذلك المجتمع المبتغى والمرتجى عندك؟
-قال: الإسلام –من وجهة نظري – لا يعرف إلا نوعين اثنين من المجتمعات، مجتمع إسلامي ومجتمع جاهلي، المجتمع الإسلامي: هو الذي يطبق فيه الإسلام عقيدة وعبادة، شريعة ونظاماً، وخلقاً وسلوكاً .. ـ والمجتمع الجاهلي: هو المجتمع الذي لا يطبق فيه الإسلام، ولا تحكمه تصوراته وقيمه وموازينه، ونظامه وشرائعه، وخلقه وسلوكه، ليس المجتمع الإسلامي هو الذي يضم ناساً ممن يسمون أنفسهم "مسلمين"، ـ بينما شريعة الإسلام ليست هي قانون هذا المجتمع، وإن صلى وحج البيت الحرام.. ـ
-قلت: وماذا عن المجتمع الحر عندك؟
-قال: والتحرر الحقيقي هو أن تكون الحاكمية العليا في المجتمع لله وحده –متمثلة في سيادة الشريعة الإلهية- فتكون هذه هي الصورة الوحيدة التي يتحرر فيها البشر تحرراً كاملاً وحقيقياً من العبودية للبشر .. والمجتمع الإسلامي هو وحده المجتمع الذي يهيمن عليه إله واحد، ويخرج فيه الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده
-قال معقب: وهاتان الفكرتان:"الجاهلية" التي أصابت المجتمعات الإسلامية –بل البشرية كافة- والتحرر منها والانعتاق من أسرها بتطبيق "الحاكمية"، هما الفكرتان الرئيستان في منهج سيد قطب الفكري، وهما الإضافة التي زود بها سيد قطب نهر الفكر السياسي الإسلامي
وحول هاتين الفكرتين تدور كل الأفكار الأخرى التي تصادفنا في كتب سيد قطب، وفي مقالاته، بل في تفسيره للقرآن الكريم "في ظلال القرآن"، كلما تعلق الأمر بالفكر السياسي أو بالحياة الاجتماعية
-قلت: وبم أنك فنان فماذا عن الفن الإسلامي من وجهة نظرك؟
-قال: الفنان المسلم رجل يعيش على الأرض بروح تحلق في السماء، فهو يتفاعل مع الواقع الاجتماعي بعقيدة ربانية ومنهج إلهي، ليسمو به إلى غاياته التي يتطلع بها إلى عالم الخلود الذي سوف يستقر به في نهاية المطاف، والذي يعنيه ما سبق أن الفن الإسلامي مذهب مستقل يتباين تماماً عن تلك المذاهب الفنية التي نشأـ عن تطور المفاهيم العلمانية في الغرب
ولكن ذلك لا يعني في نفس الوقت أن الفن الإسلامي مدرسة فنية غير قابلة للتجدد، لأن التصور الإسلامي للوجود والذي نعبر عنه هنا بالمثالية العقائدية والقيمية للتصور الإسلامي، والجانب المتغير هو الفاعلية الإنسانية التي يتعامل بها هذا التصور مع الواقع المتغير قابل للتشكل الفني بحسب التوجهات البشرية المختلفة ومن المزج بين هذا وذاك يتسع المجال لأن تتوالد العديد من المدارس الفنية المتجددة ولكنه سيلاحظ دائماً أنها تختلف عن تلك المدارس الفنية الأخرى التي تتفاعل على أرضية أيديولوجية فنية مختلفة
وإلى اللقاء في المقال القادم عن موقف سيد قطب من الصراع الإسلامي اليهودي وقضية القدس من خلال ظلال القرآن .



سيد قطب الشهيد الشاهد على مظالم المسلمين في عصره وعصرنا (2-2)

مانشيتات

مضى قاتلو سيد قطب بسوء الذكر وشائن السيرة.. وبقي بفكره وعلمه ومواقفه خالداً في وجدان أمته وفي ذاكرتها
مذابح الإسلاميين في عهد سيد قطب وبعده شاهدة على فشل المشاريع القومية... وسقوط الأيدلوجية العلمانية...! وأنها جعاجع بلا طحن.. وطنين بلا معنى...!! ـ
لا يزال أعداء الدين يشككون في عظمته فيضعون الدنيا ومباهجها في كفه.. وشريعة الإسلام كنيقض لها في كفة أخرى لينفروا عنها العامة والخاصة…!! ـ
أيها الجازعون لا تجزعوا فيد الله تعمل في الخفاء... وكل ماكر على الإسلام مكره في نحره... وتدميره في تدبيره والله غالب على أمره
الإسلام دين الفطرة يسايرها ويقومها بهون ولين... ولا يكسرها ولا يحطمها كما تفعل المناهج المادية والأفكار الوضعية
إن أصحاب الباطل في جولة فإن للحق جولات وجولات حتى الظفر .. والإحقاق
ما من أمة فشت فيها الفاحشة إلا صارت إلى انحلال وزوال صدق من آمن وكذب من غفل .. ولن تجد لسنة الله تبديلاً
مذابح المسلمين في الهند الهندوسية وفي روسيا الإلحادية وفي الصين الشيوعية وفي يوغسلافيا السولافية... وفي إسرائيل التوراتية.. كلها مخطط لها.. وهي بشير نصر باستيقاظ مارد الإسلام من قمقمة... وحينها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
يوم يفيء المسلمون إلى دينهم... ويثوبون إلى منهج ربهم حينها يحق وعد الله لهم بالنصر المبين وإهلاك الظالمين

--------------------------------------------------------------------------------

تلك هي الحلقة الثانية .. أعود فيها إلى قطب الفكر وطنب البلاغة وصنديد العزيمة … وشهيد الأمة .. سيد قطب .. فأستسمح روحه الطاهرة وأستنطق فكره على عصرنا … وأنظر بعينه .. ,أسبح في بحر فهمه وفي محيط ما آتاه الله مكن الفهم والعلم وصدق الله سبحانه "يؤتي الحكمة من يشاء… ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً". ـ
وبداية أذكر فأقول إن انتصار سيد قطب على ساسة عصره… وخلوده في وجدان أمته .. لهو شهادة فخر واعتزاز للإسلام العظيم القادر على تحويل الرجال من حال إلى حال، وإخراجهم بصبغة جديدة وشخصية فريدة … ولله القائل: ـ

وإذا كانت النفوس عظاماً

تعبت في مرادها الأجسام

فلندلف معاً إلى عالم سيد قطب نتلمس من أفانين فكره، ونحاوره عن عصرنا وعصره.. وعن الإسلام في الألفية الثالثة وعن المجتمع المسلم ومشاكله الفكرية والحضارية والاجتماعية وعن مستقبل هذا الدين .. مرتكزين إلى أدائه وأفكاره في كتابه الرائد.. "في ظلال القرآن" إضافة إلى غيره من كتبه ومما كتب عنه … وما أكثر ذلك …ـ
سيد قطب طليق بفكره وإيمانه يسجن بهما الطواغيت من ساجنيه: ـ
قلت: يا صاحب الظلال –لله درك- كيف عشت هذه الأيام العجاف .. أيام حكم الطواغيت .. وكيف وقفت فيوجههم .. وأنى لك أن تواجه مكائدهم .. وأنت ذو الجسد النحليل .. والجسم العليل .. والمرض الملازم .. أما تراجعت لهم .. أما استسغت أن تبري قلمك في مدحهم وتحاول أن تصيب بعضاً من دنياهم .. أو حتى تداريهم على مذهب من قال: ـ

إذا ما كنت ثم في معشر

قد أجمع الناس على بغضهم

فدارهم ما دمت في داهم

وأرضهم ما دمت في أرضهم

قال: ـ يا بن ياسين .. عد إلى مقدمة الظلال... وشروح آيات العذاب والوبال.. وستجد ما يشفيك ويغنيك عن سؤالك وإليك نبأ من أخباري ونتفاً من أحوالي وإلا يطول بنا المقام لسردها.. وتضييق بنا الورقات عن وصفها "عشت في ظلال القرآن هاديء النفس مطمئن السريرة، قرير الضمير عشت أرى يد الله في كل حادث وفي كل أمر ...عشت في كنف الله وفي رعايته، عشت استشعر إيجابية صفاته تعالى وفاعليتها "أم يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، وهو القاهر فوق عباده ... ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب .. ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره". ـ
أما عن مواقفي من طواغيت عصري فإنها بادية للعارفين .. ومثبتة في كتب الأعداء قبل الأصدقاء أنها الجلد
بالله ... والصبر على قضاء الله
وبالإيمان واجهتهم لقد أفزعت نظراتي محاكمهم الظالمة... فهذا رئيس الحاكمين بالظلم فؤاد الدجوي ... ـ
عميل الظالمين الجائر الغاشم تثيره نظراتي … ـ وتزلزل كرسيه عباراتي.. على أنه أجبن من صافر…! ـ
واسألوا التاريخ يشهد على خيانته لوطنيته .. ـ وسبه لمصر حين أمسك به اليهود في العدوان الثلاثي عام 1956…! ـ
وقد اصدر على الرجوي أحكاماً عن سيده عبدالناصر في 21/8/1966 بالإعدام وفي ليلة التنفيذ ساوموني على أن أخط حرفاً أمتدح فيه طاغوت مصر وفرعونها عبدالناصر.. فأبيت وألح حمزة السيوني مدير السجن الحربي على أخته حميدة لكي تضع أخاها بمقاله كليمات معدودات يصبح بها في عداد أقطاب النظام فأبى سيد قطب وكأن لسان حاله يقول: ـ

لعمرك إني أرى مصرعي

ولكن أغذ إليه الخطا

لعمرك هذا ممات الرجال

فمن رام موتاً شريفاً فذا

فاستعليت بالله وصبرت على قضاء الله ورأيت فكري وقلمي وديني يأبى علي إلا الصمود عساني ألحق بالصديقين والشهداء والصالحين .. وحسن أولئك رفيقاً
قلت: هل جاءك أنباء سقوط قاتلك .. وسقوط حصنه الفكري … ومرجعه الإيديولوجي بسقوط الاتحاد السوفيتي وانحلال مبادئه وفشل التجربة الشيوعية .. والإيديولوجية الماركسية وسقوط أقنعة كثير من أتباعها الذين حاربوك .. وحاربوا التيار الإسلامي وعملوا .. على وأده …؟!!! ـ
غير أنه ظهر جيل من تلامذة الغرب وأبواقهم يدعون العلمانيون يطلبون إلينا التعلمن والتحضر وترك الدين للمسجد فقط واستبدال القرآن بشرع نابليون أو بشرع دوكايم وشرع داروين والمدرسة الوضعية الغربية التي نمحق كل وحي وروح ولا تعترف إلا بالمحسوس المادي؟!!! ـ
قال: إن هناك عصابة من المضللين الخادعين .. أعداء البشرية .. يضعون لها المنهج الإلهي في كفة والإبداع الإنساني في عالم المادة في كفة أخرى… ثم يقولون لها اختاري!!! ـ
اختاري إما المنهج الإلهي في الحياة والتخلي عن كل ما أبدعته يد الإنسان في عالم المادة، وإما الأخذ بثمار المعرفة الإنسانية والتخلي عن منهج الله!!! ـ
وهذا خداع لئيم خبيث … فوضع المسألة ليس هكذا أبداً .. إن المنهج الإلهي ليبس عدواً للإبداع الإنساني، إنما هو منشيء لهذا الإبداع وموجه له الوجهة الصحيحة.. وذلك كي ينهض الإنسان بمقام الخلافة في الأرض…!! ـ
أمة الإسلام بين عبث العابثين وقضاء رب العالمين: ـ
قلت: أيا شهيد الفكر .. ويا مفكر الشهداء .. ماذا ترى في حالنا … وذلنا .. وتأخر أمتنا وذلة حضارتنا … واستخذاءنا أمام أعدائنا أتلك مصادفة .. أم عن تقصير .. أم عن خيانة … أم وأم ..؟! ـ
قال: "في ظلال القرآن تعلمت انه لا مكان في هذا الوجوه وللمصادفة العمياء، ولا للفلتة العارضة –ثم استشهد بقوله تعالى"إنا كل شيء خلقناه بقدر" .. "وخلق كل شيء فقدره تقديراً".. وكل أمر لحكمة..". ـ
قلت: فما حكمة ما حاق بأمتنا .. وماذا عن أسباب ذلتها وقهرها..؟!! ـ
قال: "… حكمة الغيب العميقة قد لا تتكشف للنظرة الإنسانية القصيرة "فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً"… "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون". ـ
والأسباب التي تعارف عليها الناس قد تتبعها أثارها وقد لا تتبعها، والمقدمات التي يراها الناس حتمية قد تعقبها نتائجها وقد لا تعقبها… ذلك أنه ليست الأسباب والمقدمات هي التي تنتج الآثار والنتائج .. وإنما هي الإرادة الطليقة التي تنشيء الآثار والنتائج كما تنشء الأسباب والمقدمات سواء…"!! ـ
قلت: طال ظلام أمتنا .. وكثر عسارها .. وقام أعداؤها .. واجتمعوا على أن يطفئوا نور الله بأفواههم .. وعلى نحر الإسلام ووأد الإيمان … فمتى نصر الله …؟!! ـ
التفت سيد قطب مشفقاً من سؤالي … ومرتفقاً بحالي كأنما يهديء من روعي.. ويخفف من لوعتي في ثبات العلماء وعلم الإثبات.. ثم … ـ
قال: "تعلمت أن يد الله تعمل، ولكنها تعمل بطريقتها الخاصة وأنه ليس لنا أن نستعملها، ولا أن نقترح على الله شيئاً فالمنهج الإلهي .. موضوع ليعمل في كل بيئة، وفي كل مرحلة من مراحل النشأة الإنسانية، وفي كل حالة من حالات النفس البشرية الواحدة.. وهو موضوع لهذا الإنسان الذي يعيش في هذه الأرض آخذاً في الاعتبار فطرة هذا الإنسان وطاقاته، واستعدادته، وقوته وضعفه، وحالاته المتغيرة التي تعتريه … والمنهج الإلهي موضوع للمدى الطويل الذي يعلمه خالق هذا الإنسان ومنزل هذا القرآن ومن ثم لم يكن متعسفاً ولا عجولاً في تحقيق غاياته العليا من هذا المنهج". ـ
قلت: إذن سيتنصر دين الله ويحق الحق وتعز الأمة ويعود الإسلام عالياً خفاقاً بنا أو بغيرنا..! ـ
قال: الإسلام يسير هيناً ليناً مع الفطرة يدفعها من هنا ويردعها من هناك، ويقومها حين تميل… ولكنها لا يكسرها ولا يحطمها أنه يصبر عليها صبر العراف البصير الواثق من الغاية المرسومة والذي لا يتم في هذه الجولة يتم في الجولة الثانية والثالثة أو العاشرة أو المائة أو الألف .. فالزمان ممتد والغاية واضحة والطريق إلى الهدف الكبير طويل … ـ
ثم شبه سيد قطب وأحسن التشبيه فقال: ـ
وكما تنبت الشجرة الباسقة وتضرب بجذورها في التربة، وتتطاول فروعها وتتشابك .. ولذلك ينبت الإسلام … ويمتد في بطء وعلى هينة وفي طمأنينة..
شريعة الإسلام في عالم العولمة ومنظومة الفكر المادي
قلت: فماذا ترى في إعمال شريعة الإسلام في الألفية الثالثة أنتريث في المطالبة بها .. أن نغفل عن ذلك في ظل ظروفنا … وسوء أحوالنا…؟!
قال: إن الاحتكام إلى منهج الله في كتابه ليس نافلة ولا تطوعاً ولا موضع اختيار… إنما هو الإيمان .. أو فلا إيمان … "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" "ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون…" ـ
الأمر إذن جد … إنه أمر العقيدة من أساسها
قلت: وكيف نقنع العقلاء بأهمية الشريعة … وأنها مفتاح الخير والسعادة للمسلمين فضلاً عن البشرية جمعاء … كيف وبم؟! ـ
قال: إن هذه البشرية –وهي من صنع الله- لا تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله، ولا تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي يخرج من يده –سبحانه- وقد جعل في منهجه وحده مفاتيح كل مغلق، وشفاء كل داء "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين" "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم" … ـ
ومن هنا جاءت الشقوة للبشرية الضالة، البشرية المسكينة الحائرة البشرية التي لن تجد الرشد، ولن تجد الهدى، ولن تجد الراحة ولن تجد السعادة، إلا حين ترد الفطرة البشرية إلى ضائعها الكبير، كما يرد الجهاز الزهيد إلى صانعه الصغير..! ـ
قلت: فماذا ترى في تلك المناهج المادية .. والبهارج الحضارية الوافدة من الغرب.. والتي تسعى لاستلاب المسلمين وردهم عن دينهم وفتنهم عن حضارتهم وتراثهم؟! ـ
قال سيد قطب: لقد كان الإسلام قد تسلم القيادة بعدما فسدت الأرض، وأسنت الحياة، وتعفنت القيادات، وذاقت البشرية الويلات من القيادات المتعفنة .. تسلم الإسلام القيادة بهذا القرآن… ـ وبالتصور الجديد الذي جاء به القرآن وبالشريعة المستمدة من هذا التصور فكان ذلك مولداً جديداً للإنسان .. أعظم من المولد الذي كانت بعد نشأته .. ـ
ثم وقعت تلك النكبة القاصمة .. ونحي الإسلام عن القيادة لتتولاها الجاهلية مرة أخرى … في صورة من صورها الكثيرة صورة التفكير المادي الذي تتعاجب به البشرية اليوم … ـ
ثم إن أولئك الذين يصنعون المنهج الإلهي في كفة والإبداع الإنساني في عالم المادة في الكفة الأخرى .. فهم سيئو النية .. شريرون يطاردون البشرية المتعبة الحائرة كلما تعبت من التيه والحيرة والضلال ، وهمت أن تسمع صوت الحاوي الناصح، وأن تؤوب من المتاهة المهلكة، وأن تطمئن إلى كنف الله".
سنن الله ماضية في الأمم الإباحية .. ولو بعد حين
قلت: يا صاحب الظلال .. ما ردك على من يقول "إن الأمم المتحضرة تنتشر فيها الفواحش والانحلالات .. ولا يقيمون شرع الله … وأنها سبيلنا للتحضر .. وقدوتنا للتمدن … وأن علينا أن نسلك نهجهم .. ـ ونتبع دربهم لكي ننال منالهم في التقدم والرقي". ـ
وهؤلاء هم أدعياء الانحلال والتعلمن والتفسخ .. فماذا نقول وماذا عن ظلالك الوارفة .. وأفكارك العارفة .. في دحر مقالاتهم .. ودحض نظرياتهم …؟! ـ
قال: "ما من أمة فشت فيها الفاحشة إلا صارت إلى انحلال منذ التاريخ القديم إلى العصر الحديث، وقد يغر بعضهم أن أوروبا وأمريكا تملكان زمام القوة المادية اليوم مع فشو الفاحشة فيهما ..! ـ
ولكن آثار هذا الانحلال في الأمم القديمة منها كفرنسا ظاهرة لا شك فيها .. أما الأمم الفتية كأمريكا فإن فعلها لم تظهر بعد أثاره بسبب حداثة هذا الشعب، واتساع موارده كالشاب الذي يسرف في شهواته فلا يظهر أثر الإسراف في بنيته وهو شاب ولكنه سرعان ما يتحطم عندما يدلف إلى الكهولة، فلا يقوى على احتمال آثار السن، كما يقوى عليها المعتدلون من أنداده". ـ
ولا يجوز لنا أن تخدعنا ظواهر كاذبة .. في فترات موقوتة إذ نرى أمماً لا تؤمن ولا تتقي .. ولا تقيم منهج الله في حياتها وهي موفورة الخيرات .. كثيرة الإنتاج عظيمة الرخاء .. إنه رخاء موقوت .. حتى تفعل السنن الثابتة فعلها الثابت وحتى تظهر كل آثار الفصام النكد بين الإبداع المادي والمنهج الرباني .. ولأن تظهر بعض هذه الآثار في صور شتى
مجازر الهندوس في المسلمين ( بين واقعنا وواقع سيد قطب ): ـ
قلت: هل جاءتك أنباء عن صنيع الهندوس المجرمين بالمسلمين وهل خبرت أن المسلمين حرقوا وأطفالهم وقراهم بتواطؤ بين المتعصبين وحكومة مدينة أحمد أباد... وأنهم هدموا أقدم مساجد الهند "بابري" وأرادوا أن يشيدوا بيتاً لعبادة إلههم... بل بقرتهم المزعومة رام ...؟!! أم هل علمت ماذا يصنع بكشمير المسلمة من فظائع وجرائم؟! ـ
قال: إن الواقع التاريخي الحديث لا تختلف صوره عن هذه الصورة –يشير إلى وقائع التتار وتدميرهم للمسلمين- إن ما وقع من الوثنيين الهنود عند انفصال باكستان لا يقل شفاعة ولا بشاعة عما وقع من التتار في ذلك الزمن البعيد
إن ثمانية ملايين من المهاجرين المسلمين من الهند تحت وطأة التعذيب والهجمات البربرية عليهم قد وصل منهم إلى أطراف باكستان ثلاثة ملايين فقط!! ـ
أما الخمسة الباقية فقد قضوا بالطريق... ـ
طلعت عليهم العصابات الهندية الوثنية المنظمة فذبحتهم كالخراف على طول الطريق.. وتركت جثثهم نهباً لطير والوحش بعد التمثيل بها ببشاعة منكرة...!! ـ
أما المأساة البشعة المروعة المنظمة فكانت في ركاب القطار الذي لا نقل خمسون ألف موظف مسلم إلى باكستان حيث دخل القطار نفقاً بين الحدود الهندية الباكستانية وخرج من الناحية الأخرى ليس به إلا أشلاء ممزقة متناثرة في القطار.. فقد خرجت عليه العصابات الهندية الوثنية المدربة وجعلته دماء وأشلاء وصدق الله إذ يقول (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاّ ولا ذمة...) كيف وما تزال المذابح تتكرر بصور شتى
مذابح الأمة ... وإباحة دمائها بين الروس والصرب والبوذيين : ـ
قلت: وماذا عن تدمير الروس للشيشان وإبادة شعبها المسلم، وتعيين حكومة عميلة لتصفية البقية المجاهدة من الشيشان، وماذا عن أفاعيل الصين الشيوعية وما تمارسه في حق المسلمين من إجرام وترحيل ... وعذاب وتنكيل في حق 90 مليون مسلم في تركستان
قال : إنهم خلفاء التتار في الصين الشيوعية وروسيا الشيوعية... لقد أبادوا من المسلمين في خلال ربع قرن ستة وعشرين مليوناً بمعدل مليون في السنة... وما تزال عمليات الإبادة ماضية في الطريق.. غير وسائل التعذيب الجهنمية التي تقشعر لهولها الأبدان
] ثم التفت إليّ قطب كأنما يريد أن يذكر بمثال على هول ما يلاقيه المسلمون إذ سرد قصة عذاب أحدهم بقوله [ ـ
" لقد جئ بأحد الزعماء المسلمين، فحفرت له حفرة في الطريق العام... وكلف المسلمون تحت وطأة التعذيب والإرهاب، أن يأتوا بفضلاتهم الأمية.. فيلقون بها على الزعيم المسلم في حفرته.. وظلت العملية ثلاثة أيام والرجل يختنق في الحفرة حتى مات... ـ
قلت : وهل جاءك نبأ ما صنع السولاف من اليوغسلاف في المسلمين.. إذ ذبحوا المسلمين عياناً بياناً جهاراً نهاراً في قلب أوربا وهتكوا أعراضهم ودمروا بيوتهم.. وسلبوا أرضهم... حتى رق الغرب المتواطئ وأخذ في التدخل ومحاكمة ميلسوفتش بعدما أباد المسلمين في البوسنة والهرسك وبعدما ذبح مسلمين كوسوفا.. هذا بعض عن حالنا فماذا كان عن حالهم في وقتك... وفي عصرك..؟!! ـ
قال : كذلك فعلت يوغسلافيا الشيوعية بالمسلمين فيها... أبادت منهم مليوناً منذ الفترة التي صارت في شيوعية بعد الحرب العالمية الثانية وما تزال عمليات الإبادة والتعذيب الوحشي التي من أمثلتها البشعة إلقاء المسلمين رجالاً ونساءً في مفارم اللحوم التي تصنع لحوم (البولوبيف) ليخرجوا من الناحية الأخرى عجينة من اللحم والعظم والدماء.. ـ
وما يجرى في يوغسلافيا يجرى في جميع الدول الشيوعية والوثنية الآن في هذا الزمان ويصدق قول الله سبحانه (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة) ـ
طامة المسلمين الكبرى باليهود .. عدوهم اللدود : ـ
قلت : يا صاحب الظلال هل لليهود سلام... وهل هم أهل عهد وإيمان.. وهل يكفوا عن الفساد... وهل يصحٌّ لنا أن نطبع معهم.. ونعترف بوجودهم.. ونعاشر أحبارهم ورهبانهم فهم كما يطنطن الزعماء... وكما تنشره علينا قنوات الفضاء ؟
قال : إن اليهود لا عهد لهم ولا ذمة.. ولا سلام عندهم ولا أمان.. وهذا ما حكى الله عنهم "ولقد عادوا إلى الأفساد في عهد المسلمين فسلط الله عليهم المسلمين فأخرجوهم من الجزيرة كلها... ثم عادوا إلى الإفساد فسلط عليهم (هتلر)... ولقد عادوا إلى الإفساد في صورة (إسرائيل) التي أذاقت العرب أصحاب الأرض الويلات... وليسلطن الله عليهم من يسومهم سوء العذاب، تصديقاً لوعد الله القاطع ووفقاً لسنته التي لا تتخلف ... وإن غداً لناظره قريب
قلت: يا مفكر الشهداء لقد استأسد علينا اليهود... ـ ورفعوا لمواجهتنا بروتوكولاتهم والتلمود...!! ـ
فما سبيل دفعهم... وكيف لنا أن ندحرهم .. كما تفيأت ذلك في ظلال القرآن؟! ـ
قال: يوم تفيء الأمة المسلمة إلى الإسلام... تؤمن به على حقيقته وتقيم محياتها كلها على منهجه وشريعته... يؤمئذ يحق وعد الله على شر خلق الله... واليهود يعرفون هذا... ـ
قلت: لقد كثر فسادهم.. وعم تخريبهم... وهذا مخيم جنين بعد دير ياسين شاهد على فظائعهم...!! ـ
قال: هم يسلطون كل ما في جعبتهم من شر وكيد، ويصبون كل ما في أيديهم من بطش وفتك على طلائع البعث الإسلامي في كل شبر من الأرض ويضربون –لا بأيديهم- ولكن بأيدي عملائهم ضربات وحشية منكرة، لا ترعى في العصبة المؤمنة إلا ولا ذمة... ولكن الله غالب على أمره... ووعد الله لابد أن يتحقق
إن هذا الشر والفساد الذي تمثله يهود لابد أن يبعث الله عليه من يوقفه ويحطمه، فالله لا يحب الفساد في الأرض، ولا يحبه الله لابد أن يبعث عليه من عباده من يزيله ويقض عليه (ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب الفساد). ـ
قلت: وما رأيك في أطروحات السلام... والمؤتمرات والمفاوضات والطاولات.. والوعود.. والأوهام... هل نركن إليها ونرتكز عليها في رد حقوقنا.. وإعزاز امتنا؟
قال: إن المسلمين يواجهون أعداءً يتربصون بهم، ولا يقعد هؤلاء الأعداء عن الفتك بالمسلمين بلا شفقة ولا رحمة إلا عجزهم عن ذلك... لا يقعدهم عهد معقود، ولا ذمة مرعية، ولا تحرج من مذمة، ولا إبقاء على صلة، ووراء هذا التقرير تاريخ طويل يشهد كله بأن هذا هو الخط الأصيل الذي لا ينحرف إلا لطارئ ثم يعود فيأخذ طريقه المرسوم
قلت: إذن لا خلاص لنا إلا بالجهاد، وإعداد العدة والزاد والحسم والحزم وتجريد أجيال المقاومة... وكما قلت كلماتنا عرائس لا يدب فيها الروح إلا بالدم...؟! ـ
قال: نعم .. هذا التاريخ الطويل من الواقع العملي بالإضافة إلى طبيعة المعركة المحتومة بين منهج الله الذي يخرج الناس من العبودية للعباد ويردهم إلى عبادة الله وحده، وبين مناهج الجاهلية التي تعبد الناس للعبيد يواجه المنهج الحركي الإسلامي بتوجيه من الله... "فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون". ـ
ثم إنه لم يكن بد أن يجاهد المسلمون المشركين كافة، وأن تنتبذ عهود المشركين كافة وأن يقف المسلمون إزاءهم صفاً.... لم يكن بد من ذلك لكشف النوايا والخبايا... ولإزالة الأشياء التي يقف خلفها من لم يتجرد للعقيدة



المصدر صحيفة الوطن الكويت